كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هل عرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة باليد. فلا بد أن تقول: لا. فإن قال ذلك.
قلناك معرفة كيفية الصفات تتوقف على معرفة كيفية الذات.
فالذات والصفات من باب واحد.
فكما أن ذاته جل وعلا تخالف جميع الذوات. فإن صفاته تخالف جميع الصفات.
ومعلوم أن الصفات. تختلف وتتباين. باختلاف موصوفاتها.
ألا ترى مثلًا أن لفظة رأس كلمة واحدة؟
إن أضفتها إلى الإنسان فقلت رأس الإنسان. وإلى الوادي فقلت رأس الوادي. وإلى المال فقلت رأس المال. وإلى الجبل فقلت رأس الجبل.
فإن كلمة الرأس اختلفت معانيها. وتباينت تباينًا. شديدًا بحسب اختلاف إضافتها مع أنها في مخلوقات فما بالك بما أضيف من الصفات إلى الله وما أضيف منها إلى خلقه. فإنه يتباين كتباين الخلق والمخلوق. كما لا يخفى.
فاتضح بما ذكر أن الشرط في قول المقري في إضاءته:
والنص إن أوهم غير اللائق

شرط مفقود قطعًا. لأن نصوص الوحي الواردة في صفات الله. لا تدل ظواهرها ألبتة. إلا على تنزيه الله. ومخالفته لخلقه في الذات والصفات والأفعال.
فكل المسلمين. الذي يراجعون عقولهم. لا يشك أحد منهم في أن الظاهر المتبادر السابق إلى ذهن المسلم. هو مخالفة الله لخلقه. كما نص عليه بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وقوله: {ولم يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَد} [الإخلاص: 4] ونحوذلك من الآيات. وبذلك تعلم أن الإجماع الذي بناه على ذلك في قوله:
فاصرفه عن ظاهره إجماعا

إجماعا مفقود أصلًا. ولا وجود له أبتة. لأنه مبني على شرط مفقود لا وجود له ألبتة.
فالإجماع المعدوم المزعوم لم يرد في كتاب الله. ولا في سنة رسوله. ولم يقله أحد من أصحاب رسول الله. ولا من تابعيهم ولم يقله أحد من الأئمة الأربعة. ولا من فقهاء الأمصار المعروفين.
وإنما لم يقولوا بذلك لأنهم يعلمون أن ظواهر نصوص الوحي لا تدل إلا على تنزيه الله عن مشابهة خلقه. وهذا الظاهر الذي هو تنزيه الله لا داعي لصفرها عنه كما ترى.
ولأجل هذا كله قلنا في مقدمة هذا الكتاب المبارك. إن الله تبارك وتعالى موصوف بتلك الصفات حقيقة لا مجازًا. لأنا نعتقد اعتقادًا جازمًا لا يتطرق إليه شك. أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها. لا تدل ألبتة إلى على التنزيه عن مشابهة الخلق واتصافه تعالى بالكمال والجلال.
وإثبات التنزيه والكمال والجلال لله حقيقة لا مجازًا لا ينكره مسلم.
ومما يدعوإلى التصريح بلفظ الحقيقة. ونفي المجاز. كثرة الجاهليت الزعمين أن تلك الصفات لا حقائق لها. أنها كلها مجازات.
وجعلوا ذلك طريقًا إلى نفيها. لأن المجاز يجوز نفيه. والحقيقة لا يجوز نفيها.
فقالوا مثلًا: اليد مجاز يردا به القدرة والنعمة أو الجود. فنفوا صفة اليد. لأنها مجاز.
وقالوا على العرش استوى: مجاز فنفوا الاستواء. لأنه مجاز.
وقالوا: معنى استوى: استو لى. وشبهوا استيلاءه باستيلاء بشر بن مروان على العراق.
ولوتدبروا كتاب الله. لمنعم ذلك من تبديل الاستواء بالاستيلاء. وتبديل اليد بالقدرة. أو النعمة. لأن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه في سورة البقرة {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قولا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59]. ويقول في الأعراف {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قولا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 162] فالقول الذي قاله الله لهم. هو قوله: {حطة}. وهي فعلة من الحط بمعنى الوضع خبر مبتدأ محذوف أي دعاؤنا ومسألتنا لك حطة لذنوبنا أي حط ووضع لها عنا فهي بمعنى طلب المغفرة. وفي بعض روايات الحديث في شأنهم أنهم بدلوا هذا القول بأن زادوا نونًا فقط فقالوا حنطة وهي القمح.
وأهل التأويل قيل لهم على العرش استوى.
فزادوا لاما فقالوا استو لى.
وهذه اللام التي زادوها أشبه شيء بالنون التي زادها اليهود في قوله تعالى.
{قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
ولا شك أن من بدل استوى باستو لى مثلًا لم يتبع ما أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعليه أن يجتنب التبديل ويخاف العذاب العظيم. الذي خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم لوعصا الله فبدل قرآنا بغيره المذكور في قوله: {إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
واليهود لم ينكروا أن اللفظ الذي قاله الله لهم: هو لفظ حطة ولكنهم حرفوه بالزيادة المذكورة.
وأهل هذه المقالة. لم ينكروا أن كلمة القرآن هي استوى. ولكن حرفوها وقالوا في معناها استو لى وإنما أبدلوها بها. لأنها أصلح في زعمهم من لفظ كلمة القرآن. لأن كلمة القرآن توهم غير اللائق. وكلمة استو لى في زعمهم هي المنزهة اللائقة بالله معأنه لا يعقل تشبيه أشنع من تشبيه استيلاء الله على عرشه المزعوم. باستيلاء بشر على العراق.
وهل كان أحد يغاب بالله على عرشه حتى غبه على العرش. واستو لى عليه؟
وهل يوجد شيء إلا والله مستو ل عليه. فالله مستو ل على كل شيء.
وهل يجوز أن يقال إنه تعالى استوى على كل شيء غير العرش؟
فافهم.
وعلى كل حال. فإن المؤول. زعم أن الاستواء يوهم غير اللائق بالله لاستلزامه مشابهة استواء الخلق. وجاء بدله بالاستيلاء. لأنه هو اللائق به في زعمه. ولم ينتبه.
لأن تشبيه استيلاء الله على عرشه باستيلاء بشر بن مروان على العراق هو أفظع أنواع التشبيه. وليس بلائق قطعًا. إلا أنه يقول: إن الاستيلاء المزعوم منزه. عن مشابهة استيلاء الخلق. مع أنه ضرب له المثل باستيلاء بشر على العراق والله يقول: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 74].
ونحن نقول: أيها المؤول هذا التأويل. نحن نسألك إذا علمت أنه لابد من تنزيه أحد اللفظين أعني لفظ {استوى} [البقرة: 29 والأعراف: 54] الذي أنزل الله به الملك على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا يتلى. كل حرف منه عشر حسنات ومن أنكر أنه من كتاب الله كفر.
ولفظة استو لى التي جاء بها قوم من تلقاء أنفسهم من غير استناد إلى نص من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من السلف.
فأي الكلمتين أحق بالتنزيه في رأيك. الأحق بالتنزيه كلمة القرآن. المنزلة من الله على رسوله. أم كلمتكم التي جئتم بها. من تلقءا أنفسكم. من غير مستند أصلًا؟
ونحن لا يخفى علينا الجواب الصحيح. عن هذا السؤال إن كنت لا تعرفه.
واعلم أنما ذركنا من أن ما وصف الله به نفسه من صفات. فهو موصوف به حقيقة لا مجازًا. على الوجه اللائق بكماله وجلاله.
وأنه لا فرق ألبتة بين صفة يشتق منها وصف. كالسمع والبصر والحياة.
وبين صفة لا يشتق منها كالوجه واليد.
وأن تأويل الصفات كتأويل الاستواء بالاستيلاء لا يجوز ولا يصح.
هومعتقد أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
وهومعتقد عامة السلف. وهو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فمن ادعى على أبي الحسن الأشعري. أن يؤول صفة من الصفات. كالوجه اليد والاستواء. ونحوذلك فقد افترى عليه افتراء عظيمًا.
بل الأشعري رحمه الله مصرح في كتبه العظيمة التي صنفها بعد رجوعه عن الاعتزال. كالموجز. ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. والإبانة عن أصو ل الديانة أن معتقده الذي يدين الله به هو ما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه أووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. وإثبات ذلك كله من غير كيف ولا تشبيه ولا تعطيل.
وأن ذلك لا يصح تأويله ولا القول بالمجاز فيه.
وأن تأول الاستواء بالاستيلاء هو مذهب المعتزلة ومن ضاهاهم.
وهوأعلم الناس بأقوال المعتزلة لأنه كان أعظم إمام في مذهبهم. قبل أن يهديه الله إلى الحق. وسنذكر لك هنا بعض نصوص أبي الحسن الأشعري رحمه الله لتعلم صحة ما ذكرنا عنه.
قال رحمه الله في كتاب الإبانة عن أصو ل الديانة. الذي قال غير واحد أنه آخر كتاب صنفه. ما نصه:
فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة. والمرجئة. فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له:
قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها. التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم. وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث.
ونحن بذلك معتصمون. وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نصر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون.
لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين. وزيغ الزائغين وشك الشاكين. فرحمة الله عليه من إمام مقدم وخليل معظم مفخم. وعلى جميع أئمة المسلمين.
وجملة قولنا: أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسوله وما جاء من عند الله. وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئًا.
وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد. لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا وأن محمدًا عبده ورسوله. أرسله بالهدى ودين الحق. وأن الجنة حق. وأن النار حق. والساعة اتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الله استوى على عرشه كما قال: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] وأن له وجهًا كما قال: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالجلال والإكرام} [الرحمن: 27]. وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وكما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] اه. محل الغرض منه بلفظه.
وبه تعلم أن من يفتري على الأشعري أنه من المؤولين المدعين أن ظاهر آيات الصفات وأحاديثها لا يليق بالله كاذب عليه كذبًا شنيعًا.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتاب البانة أيضًا في إثبات الاستواء لله تعالى ما نصه:
إن قال قائل ما تقولون في الاستواء؟
قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوعلى عرشه كما قال: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5]. وقد قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10] وقد قال: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} [النساء: 158]. قال عز وجل: {يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السماء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]. وقال حكاية عن فرعون: {ياهامان ابن لِي صَرْحًا لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36- 37].
فكذب فرعون نبي الله موسى عليه السلام في قوله: {إن الله عز وجل فوق السماوات}. وقال عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السماء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض} [الملك: 16].
فالسماوات فوقها العرش. فلما كان العرش فوق السماوات: قال: {أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السماء} لأنه مستوعلى العرش الذي فوق السماوات. وكل ما علا فيهوسماء. فالعرش أعلى السماوات. هذا لفظ أبي الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة المذكور.
وقد أطال رحمه الله في الكلام بذكر الأدلة القرآنية. في إثبات صفة الاستواء. وصفة العلو لله جل وعلا.
ومن جملة كلامه المشار إليه ما نصه:
وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن قول الله عز وجل: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] أنه استو لى وملك وقهر. وأن الله عز وجل في كل مكان. وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق. وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.
ولوكان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض. فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش. وعلى كل ما في العالم.
فلوكان الله مستويًا على العرش بمعنى الاستيلاء وهو عز وجل مستو ل على الأشيئاء كلها لكان مستويًا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأفراد. لأنه قادر على الأشيئاء مستو ل عليها.
وإذا كان قادرًا على الأشيئاء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله عز وجل مستوعلى الحشوش والأخلية. لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشيئاء كلها.
ووجب أن يكون معناه استواء يختص العرش دون الأشيئاء كلها.
وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله عز وجل في كل مكان فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية.
وهذا خلاف الدين. تعالى الله عن قولهم. اه.
هذا لفظ أبي الحسن الأشعري رحمه الله في آخر مصنفاته.
وهوكتاب الإبانة عن أصو ل الديانة.
وتراه صرح رحمه الله بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء هو قول المعتزلة والجهمية والحرورية لا قول أحد من أهل السنة وأقام البراهين الواضحة على بطلأن ذلك.
فليعلم مؤولوالاستواء بالاستيلاء أن سلفه في ذلك المعتزلة والجهمية والحرورية. لا أبو الحسن الأشعري رحمه الله ولا أحد من السلف.
وقد أوضحنا في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {وَهوالله فِي السماوات وَفِي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام: 3] الآية. أن قول الجهمية ومن تبعهم: إن الله في كل مكان قول باطل.